- موضوعات متنوعة / ٠6موضوعات مختصرة
- /
- محاضرات في جامع الطاووسية
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعده للمؤمنين :
أيها الأخوة الكرام، الإنسان أحياناً يتساءل أن ربنا جلّ جلاله كأنه تخلى عن المسلمين؛ هو لا يتخلى عنهم لكن يبدو لمن يتوهم ذلك أن الله تخلى عن المسلمين، إذاً لم لا ينصرهم على أعدائهم مثلاً؟ لم لا يأخذ بيدهم؟ لم لا يغنيهم؟ لم لا يحفظهم؟ هو يعالجهم؛ الجواب بآية صغيرة قال تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
مبدئياً زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعده للمؤمنين، الكون كله؛ المئة مليون مجرة تزول ولا يتعطل وعد الله؛ لأنه وعد الله، ليس وعد إنسان قال لك: والله لا يوجد شواغر، أنا وعدتك لكن الموسم راح، والله لا يوجد ميزانية، لم أستطع؛ شغلتك أكبر مني. اسمع كلام الناس: ما قدرت، هذه فوق طاقتي، هذه ليست من صلاحيتي، لا يوجد ميزانية، لا يوجد شواغر، ليس بيدي شيء، أنا عبد مأمور؛ أما إله يعدك؛ كن فيكون، زل فيزول، إله يعدك.
الآن الله عز وجل قال:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
أين الاستخلاف؟ والله لا يوجد استخلاف، أكيد لا يوجد استخلاف، ترون بعينكم كأن هناك حرباً عالمية في العالم كله موجهة ضد المسلمين، في شرق آسيا، وفي شمال آسيا، وفي غرب أوربا، وفي شمال إفريقيا، أينما ذهبت...قال:
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
أين التمكين؟ والله لا تمكين.
﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
أين الأمن؟ لا تمكين، ولا استخلاف، و لا تطمين، لأن هناك فيما يسمى بأن هناك عقداً؛ الفريق الأول هو الله، والفرق الثاني هو العباد؛ الفريق الأول عليه أولاً أن يستخلفنا، وعليه كما وعدنا أن يمكننا، وعليه أن يطمئننا، وعلى الفريق الثاني بند واحد؛ يعبدونني، فإذا أخلّ الفريق الثاني بما عليه، فالفريق الأول في حلّ من وعوده الثلاثة.
العبرة في الدين أن يرضاه الله عز وجل :
إذاً أول تفسير لما يجري في العالم؛ أن المسلمين لا يعبدون الله، يعبدون غيره، يعبدون شهواتهم، يعبدون مصالحهم، يعبدون المال، يعبدون المرأة، يعبدون الدنيا القريبة ويطيحون بالآخرة البعيدة، هناك ملمح آخر دقيق هو أن الله عز وجل حينما قال:
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
انظر..يمكنن لهم دينهم! أي دين؟ دين المدائح والأناشيد والطرب والطبلة؟ لا، دين العزائم والولائم والاستعراضات؟ دين الزينة الجوامع فخمة جداً أقواس وزخارف؟ دين المؤتمرات والسهر وإلقاء المحاضرات؟ دين الشهادات والمراتب العلمية والمؤلفات؟ قال:
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
لا يمكن لهم دينهم إلا إذا ارتضاه لهم، المشكلة هل ارتضى الله لنا ديننا أم لم يرتضه؟ العبرة في الدين أن يرضاه الله عز وجل؛ إذا معك عملة مزيفة، العبرة أن تقبلها أنت أم أن يقبلها البائع؟ أخي أنا أقبلها! هذه عملة مزيفة، قبول صاحبها صفر، ليس له قيمة، العبرة أن يقبلها البائع، أنت تشتري بهذه العملة؟ إذا البائع ما قبلها فليس لها قيمة، أخي أنا أقبلها؛ إذا أنت تقبل بها دعها بجيبك، قبولك لها ليس له قيمة أبداً، فهذا الدين يجب أن يرتضيه الله لنا، نحن نرتضي الدين، الدين حيض ونفاس، أمر سهل، الدين صلاة فقط؛ لكن لا يوجد صدق مع الصلاة، لا يوجد استقامة؛ هناك غش، و تعامل غير شرعي، و عدوان على أموال الناس، و عدوان على أعراضهم، واختلاط، وتجنّ، وكذب، وغيبة، ونميمة، نحن ديننا دين صلاة وصوم وحج وزكاة؛ نحج فنعمل زينة فخمة جداً، صار الحاج فلاناً، نعمل عمرة؛ فنعمل سبعة أيام، ومهنئين، وقهوة، وتمر، وماء زمزم، واشربوا على الواقف ماء زمزم، نحن ديننا دين مظاهر؛ لكن ليس دين صدق، الإنسان عندما يعمل صناعة غذائية فيغش المسلمين أصبح دينه صفراً؛ سقطت صلاته، وصيامه، وحجه، وزكاته:
(( مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا ))
ما قال من غشنا؛ في حديث" من غش" أي لو غششت إنساناً مجوسياً، عابد صنم؛ "فليس منا" فنحن عندما نفهم الدين عبادات شعائرية انتهينا عند الله، عندما تفهمه معاملات وعبادات معاً ارتقينا عند الله، وأكرمنا الله عز وجل؛ ورفعنا وأخذ بأيدينا.
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
ديننا يجب أن يكون مرضياً عند الله لا عندنا :
نحن يجب أن نسعى أن يكون ديننا مرضياً عند الله لا عندنا، نحن يعجبنا دين فيه كسب مال حرام واختلاط، فيه صلاة يوم الجمعة مع جلابية بيضاء، ومسبحة فخمة، وطاقية، ومعطر حاله بالمسك؛ لكن الدخل حرام، والاختلاط على أشده، والموبقات بالبيت، هذا دين يعجبنا؛ نكون قد جمعنا بين شهواتنا وبين عباداتنا؛ أكثر الناس هكذا، يريد أن يعمل عقد قران؛ يأتي بالدكتور فلان ليلقي كلمة في خطبته، لو أحضرت النبي وأنت غير مستقيم لن تنفد، قضية مظاهر، والله سمعت - والقائل صادق - أن إنساناً يوجد عنده مسبح مختلط- النساء والرجال بثياب السباحة - وعمل مولداً في المسبح، ودعا بعض من يعملون في الحقل الديني، لن أقول علماء ، وأثنوا عليه أيضاً، فنحن صار ديننا ينفصل عن المنهج، ديننا عبادات والحياة شيء آخر، لا علاقة لها بالدين إطلاقاً؛ فهذا الدين لا يرتضيه الله وإذا لم يرتضه لنا لا يمكننا في الأرض؛ الجواب؛ تقول: أخي نحن مقصرون، أعداؤنا أقوياء! فما الجواب؟ هذا الجواب: أولاً: أخللنا بما علينا من عبادة الله وحده.
ثانياً: ديننا الذي قنعنا به لا يرضي الله عز وجل؛ ديننا دين مظاهر، دين مراتب، دين وجاهات، دين ولائم، دين استعراضات، ليس دين تطبيق، ليس دين منهج، أحد المهاجرين المسلمين ألقي القبض عليه في الطريق، فهو من شدة شوقه للنبي قال: والله عهد الله إن أطلقتموني لن أحاربكم. فصدقوه وأطلقوه؛ وصل إلى النبي، والنبي فرح به فرحاً شديداً، و انضم للمؤمنين، وبعد حين كانت هناك غزوة؛ من شدة محبته للجهاد انخرط مع المجاهدين رآه النبي فقال له: أنت ارجع ألم تعاهدهم؟ هذا الدين، أنت عاهدته، فالآن الناس عهدهم لا قيمة له، يكذبون، يحتالون، يعتدون، ويصلون؛ فيريد هو دين تفصيل؛ غير جاهز، يريد أن يصلي، ويصوم، ويحج، ويزكي.. ويريد أن يأكل مالاً حراماً، يريد أن يصلي ويغتصب بيتاً ليس له، يريد أن يصلي ويعتدي على أعراض النساء ولو بالنظر، يريد أن يصلي وأن يكون دخله مشبوهاً؛ هذا الدين الذي ارتضاه هو لنفسه، لكن الله ما رضي، والعملة المزورة مشكلتها أنها الذي بحوزته يرضى عنها، أما الذي تعطيه إياها فلا يرضى عنها؛ هذه الآية نفسها:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾
حرص المسلم على عبادة الله لينتفع بوعده :
هناك نقطتان بالآية: كلمة "يعبدونني"، وكلمة "يمكنن لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُم"ْ:
فأنت على مستوى فردي؛ احرص أن تعبده حق عبادته، واحرص أن يكون دينك مرضياً عنده، لا أن يكون مرضياً عندك، مرضياً عنده؛ من أجل أن تنتفع بوعد الله:
﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾
﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾
لن تجد في الكون كله جهة أصدق من الله، ولا أوفى بعهدها من الله، فقط عليك أن تكون أهلاً لرحمة الله، والنبي عليه الصلاة والسلام من أدبه الجم كان يقول:
(( اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ))